دير مار الياس – قرنايل
(تأسس سنة ١٧٤٩، عيده في ٢٠ تموز)
هو ديرٌ يرتفعُ فوق أرضٍ من التاريخ للتاريخ.
من تاريخ لمعيٍّ زمنَ إمارةٍ نبتت في أرض الوطن الى تاريخ أنطونيّ لا يزالُ منذ مئاتٍ ثلاث يسجّلُ في روزنامةِ الأديار حضورَه الرهبانيَّ المتأصّلَ على مدى هذا الوطن.
يوم وَهَب الأمير يوسف مراد أبي اللمع أرضًا وبيتًا في قرنايل إلى الرهبانيّة الأنطونية كان مدركًا أنّ بقاءهما في عهدة هذه الرهبنة ضمانة لبقاء ذاكرة لمعيّةٍ في ضوء شموع ديرٍ ضمَّ البيت والأرض في حجارته وثبّتها قوسِ إيمانٍ تحت سيف مار الياس رمزا لصمود بشريٍّ يستقي من الإيمان صمودًا روحيًّا ربّانيًّا.
الشفيع مار الياس الحيّ لم تغفل عينًه ولا سيفُه يوما عن أهل قرنايل، هناك حيث الأنطونيون على تماسّ مُحبٍّ مع الطائفة الدرزيّة عام ألفٍ وسبعِ مئةٍ وتسعةٍ وأربعين، ومن حينها يعرفون أنّهم مع الإخوة الدروز، إنّما يدرزون سورًا من أمانٍ في بلدة تختلط عليها طوائفُها ويحميها مار الياس من لحظات الخوف والتخلّي.
وعلى هذه النيّة، ارتفع بناء الأنطش الأنطوني عهدَ الرئيس العام الأبّاتي إبراهيم آصاف (١٧٤٨-١٧٥٥)، ومعه ارتفعت صلوات المسيحيّين والدروز معا، فللدروز مع القديس إيليّا مسيرة صلاة وإيمان وحفنات نذور يلقونها عند عتبة الدير وتحت مذبحه كي يحفظ أولادهم وعائلاتِهم، وكي لا يظلوا زائرين اعتنق عددٌ من أقرباء الامير يوسف الديانة المسيحيّة مقتبلين سر ّالعماد وصاروا تحت سقف الدير من أهل الدير، في وقتٍ خصّص الامير يوسف قسمًا من موارده ليؤمّن للرهبان معيشتَهم اليوميّة.
هذه الرّوابط الأسَريّة بين الأنطونيين والدروز في قرنايل حدَتْ بالرهبنة الأنطونية لتأسيس مدرسة قرب الدير لتعليم الأحداث. تولّى مسؤوليّتها الأب شاوول الأسمر “نبيّ قرنايل”، كما كانوا يسمّونه، لشجاعتِه واحترام الدروز له إبّان مرحل رئاستِه الدير لتسع سنوات بين ١٩٢٢ و١٩٣١.
ومن منتصف القرن العشرين حتى ما قُبَيل الحرب الأهليّة اللبنانيّة عرف دير مار الياس قرنايل مراحل تطوير في بنائه وهندسته شملت بناء دير جديد من ثلاث طبقات، فتوسعَت الكنيسة ونُقلت المدافن من الباحة الى تحت الكنيسة، لكنّ الحرب هجّرت شريحة كبيرة من المسيحيّين من غير أن تنفي الرهبان من ديرهم رغم تعرّض المدرسة للهدم جرّاء الحرب بل تعمّدت العلاقة الأخويّة بين الرهبان والأهالي الدروز أكثر وتتثبّتت في أرض تتسع لهم معا، فكثّف الرهبان نشاطهَم واهتمّوا الى جانب العمل الرعويّ والاجتماعي والتربوي في قرنايل بخدمة رعايا مجاورة من مثل فالوغا، وبحوّارة، وكفرسلوان، وصليما.
عشيّة الألفيّة الثالثة، في العام تسعة وتسعين، بدأ ترميمُ الدير وإضافةُ صالة للرعيّة، وجرف المدرسة المهدّمة الملاصقة للدير على عهد الأباتي سمعان عطاالله. وفي العام ألفين وثلاثة عشَرَ اكتست كنيسة الدير وصالة الرعيّة الحجرَ الصخريَّ وتجمّلت بسماتٍ من التراث حتى دُشّنت من جديد، على عهد الأباتي داود رعيدي، في الثامنَ عشَرَ من تموز ألفينِ وخمسةَ عشَرَ ببركة صاحب السيادة المطران بولس مطر رئيس اساقفة بيروت.
واليوم، يمثل دير مار الياس النبيّ في قرنايل جامعًا بين حنايا صخره عاطفة المسيحيّين والدروز لبعضهم البعض تحت سقفه المبارَك والمبارِك أهالي بلدةٍ توطّدت اواصرُهم قبل الحرب وفيها وبعدَها وشهد التاريخ لهم أنّهم مثالٌ للبعد الأخويّ الرّوحيّ والإنسانيّ عِمادُه رهبانٌ أنطونيّون يخدمونَ الرّعيّة بلا تفرقة بين ابناء الكنيسة وإخوتهم الدروز في ظلّ مدّهم جسورَ الحوار والانفتاح ليبقى الاسم حاضرا اليوم وغدا، ويدوم التاريخ فوق أرضٍ قرنايليّة وباتت الى ما يشاء الله واحدة من المواقع الأنطونية استكمالا لرسالة رهبانيّة تجتاز الحجرَ الى القلب، وتعدّد الديانات الى وَحدة الروح.
رئيس الدير وخادم رعية الدير: الأب الياس شخطوره
قيّم الدير: الأب أنطوان داغر
هاتف: 05/360710